روائع مختارة | قطوف إيمانية | عقائد وأفكار | المرجئة عقيدتهم.. وموقف السلف منهم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > عقائد وأفكار > المرجئة عقيدتهم.. وموقف السلف منهم


  المرجئة عقيدتهم.. وموقف السلف منهم
     عدد مرات المشاهدة: 4709        عدد مرات الإرسال: 0

الإرجاء في اللغة:  التأخير، وفي الاصطلاح تأخير العمل وإخراجه عن حقيقة الإيمان.

قال ابن كثير في بيان سبب تسمية المرجئة بهذا الاسم: ". . قيل مرجئة لأنهم قدموا القول وأرجؤا العمل - أي أخروه " وهم أقسام وفرق متعددة مختلفة في تحديد معنى الإيمان عدّها الأشعري في المقالات اثنى عشر فرقة، وأشهرهم فرقتان:

الأولى مرجئة الفقهاء:  وهم الذين يرون أن الإيمان إقرار باللسان وتصديق بالقلب، لا يزيد ولا ينقص، والأعمال الصالحة ثمرات الإيمان وشرائعه، قال الإمام الطحاوي - رحمه الله - في بيان هذا المذهب: "والإيمان هو الإقـ رار باللسان والتصديق بالجنان، وجميع ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشرع والبيان كله حق.

والإيمان واحد، وأهـ له في أصله سواء، والتـ فاضل بينهم بالخشية والـ تـ قى ومخالفة الهوى، ملازمة الأولى " (العقيدة الطحاوية).

الثانية مرجئة المتكلمين:  وهم الجهمية ومن تابعهم من الماتريدية والأشاعرة، وإليك نقولات عن السلف تبين مذهبهم في الإيمان، يقول الفضيل بن عياض:  " أهـ ل الإرجاء - إرجاء الفقهاء - يقولون:  الإيمان قول بلا عمل، وتقول الجهمية:

الإيمان المعرفة بلا قول ولا عمل، ويقول أهل السنة: الإيمان المعرفة والقول والعمل " (تهذيب الآثار الطبري 2/ 182). ، ويقول وكيع بن الجراح:  " ليس بين كلام الجهمية والمرجئة كبير فرق؛ قالت الجهمية: الإيمان المعرفة بالقـ لـ ب، و قال المرجئة:  الإقـ رار باللسان " أي مع اعتقاد القلب (نفس المصدر السابق)

وقال الإمام أحمد:  " الجهمية تقول إذا عرف ربه بقلبه وإن لم تعمل جوارحه، وهذا كفر؛ إبليس قد عرف ربه، فقال:  رب بما أغويتـ نى " (الخلال اللوحة 96)

مؤسسوا مذهب مرجئة الفقهاء: 

اختلف الباحثون في تحديد أول من أظهر مذهب مرجئة الفقهاء على أقوال، فقيل هو:

1. ذر بن عبدالله الهمداني:  وهو تابعي متعبد توفي في نهاية القرن الأول، قال إسحاق ابن إبراهيم:  " قلت لأبى عبد الله - يعنى الإمام أحمد -:  أول من تكلم فى الإيمان من هـ و؟ قال: يقولون: أول من تكلم فيه ذر " (مسائل الإمام أحمد لإسحاق ابن إبراهيم (2/ 162) ؛ قال سلمة بن كهيل: 

"وصف ذر الإرجاء و هو أول من تكلم فيه، ثم قال أنى أخاف أن يتخذ هذا دينا، فلما أتـ تـ ه الكتب فى الآفاق، قال: فسمعته يقول:  وهـ ل أمر غير هذا " (السنة لعبد الله بن أحمد، ص81).

2. وقيل أول من قال بالإرجاء حماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة وتلميذ إبراهيم النخعي، قال معمر كنا نأتي أبا إسحاق، فيقول: من أين جئتم؟ فنقول: من عند حماد، فيقول: ما قال لكم أخو المرجئة؟ ! ! وعن أبي هاشم قال أتيت حماد بن أبي سليمان، فقلت: ما هذا الرأي الذي أحدثت ولم يكن على عهد إبراهيم النخعي؟ فقال: لو كان حيا لتابعني عليه يعني الإرجاء "

3. وقيل أول من أنشأ القول بالإرجاء قيس الماصر:  فقد نقل الحافظ ذلك عن الأوزاعي؛ قال: أول من تكلم فى الإرجاء رجل من أهل الكوفة يقال له: قيس الماصر. تهذيب التهذيب 7/ 490.

4. وقيل سالم الأفطس:  فعن معقل بن عبيدالله الجـ زرى العبسي قال: " قدم علينا سالم الأفطس بالإرجاء، فعرضه فنفر منه أصحابنا نفارا شديدا، و كان أشدهم ميمون بن مهران و عبدالكريم بن مالك، فأما عبدالكريم فإنه عاهـ د الله لا يأويه و إياه سقـ ف بيت إلا فى المسجـ د.

مؤسس مذهب مرجئة المتكلمين: 

هو الجهم بن صفوان: كان رجلا من أهل الأهواء لم يجالس عالما قط، ولم يعرف بطلب العلم، وإنما جالس أهل الأهواء وفي مقدمتهم الجعد بن درهم الذي ذبحه خالد بن عبدالله القسري لزندقته ونفيه صفات الله سبحانه.

وكان الجهم مع جهله خصما مجادلا، التقى جماعة من زنادقة الهند يقال لهم: " السمنية " فسألوه عن مصدر المعرفة وكانوا لا يؤمنون إلا بالمحسوس، فقالوا له: صف لنا ربـ ك هذا الذى تعبده يا جهم، و بأي حاسة أدركـ تـ ه من الحواس، أرأيته أم لمسته - أم … الخ؟ !

فمكث فترة لا يجيبهم، ثم اخترع قولا في الله أجابهم به، فقال:  " هـ و هـ ذا الهـ واء مع كـ ل شئ وفي كـ ل شئ و لا يخلو من شئ " (الرد على الجهمية والزنادقة للإمام أحمد ص65) . ولم يكن لأقوال جهم في حياته ولا بعد وفاته قبول، بل عاش مطاردا مطلوبا من ولاة الأمر حتى قتله سلم بن أحوز عامل نصر بن سيار على مرو، وقال له:

"يا جهم! إنى لست أقتلك لأنـ ك قاتـ لتـ ني، أنت عندي أحـ قـ ر من ذلـ ك، ولكني سمعتـ ك تتـ كلم بكلام باطل أعطيت لله عهدا أن لا أملك إلا قتلتك فقتله " ا. هـ من فتح الباري (13/ 346) .

وتلقف أقوال جهم من بعده - سواء في الصفات أو في الإيمان - بشر المريسي شيخ المعتزلة، جاء في ترجمة بشر في البداية والنهاية:  " حكي عنه أقوال شنيعة وكان مرجئيا، وإليه تنسب المريسية من المرجئة، وكان يقول:  إن السجود للشمس والقمر ليس بكفر، وإنما هو علامة للكفر "

وممن تلقف مذهب جهم في الإيمان ابن كلاب أبو محمد عبدالله بن سعيد بن كلاب القطان رأس المتكلمين بالبصرة، والإمام أبو الحسن الأشعري، وهذان هما اللذان نشرا مذهب جهم في الإيمان، قال الإيجي في المواقف بعد أن ذكر معنى الإيمان في اللغة:  ".

وأما في الشرع. . فهو عندنا وعليه أكثر الأئمة كالقاضي والأستاذ:  التصديق للرسول فيما علم مجيئه به ضرورة، وتفصيلا فيما علم تفصيلا، وإجمالا فيما علم إجمالا " فالإيمان عند الأشعرية لا يتعدى تصديق القلب من غير إقرار لسان ولا عمل جوارح.

وقفة مع الإرجاء:

ليس هناك من وقفة أعظم أثرا في بيان تهافت مذهب المرجئة من بيان موقف علماء السلف منه، فالإرجاء إنما نشأ في عصرهم، ونبت بينهم، فعلموا حقيقته، واستبان لهم نتائجه وآثاره المدمرة، فوقفوا من المرجئة موقفا صارما حيث بينوا لهم ضلال ما ذهبوا إليه، ومن عاند منهم وأصر هجروا مجلسه.

وأغلظوا له القول، ووعظوه وخوفوه بالله، كل ذلك تنبيها لخطر قولهم وتحذيرا للأمة منهم، وفيما يلي بعض مواقف العلماء من المرجئة، مع تنبيهنا أن معظم الآثار الواردة عن السلف في إنكار الإرجاء إنما هي في إرجاء الفقهاء فكيف بإرجاء المتكلمين!!: 

عن إبراهيم النخعي ت 96هـ رحمه الله قوله:  " الإرجاء بدعة " وقال " إياكم و أهـ ل هذا الرأى المحدث " - يعنى الإرجاء - ، وكان رجل يجالس إبراهيم يقال له محمد، فبلغ إبراهيم أنه يتكلم فى الإرجاء، فقال له إبراهيم:  "لا تجالسنا "، و قال: " تركوا هذا الدين أرق من الثوب السابرى"، وقال: " لفتـ نتهم عندي أخوف على هـ ذه الأمة من فتـ نة الأزارقة " يعني الخوارج.

وقال سعيد بن جبير:  " المرجئة مثل الصابئين " وكان شديدا عليهم, حتى أن ذرا أتاه يوما فى حاجة فقال:  " لا، حتى تخبرنى على أي دين أنت اليوم - أو رأي أنت اليوم - ، فإنـ ك لا تـ زال تـ لتمس دينا قد أضللتـ ه، ألا تستحي من رأي أنـ ت أكبر منه؟ "وقال الإمام الزهري:  " قال:  " ما ابتدعـ ت فى الإسلام بدعة هى أضر على أهله من هذه - يعنى الإرجاء - ".

وقال الأوزاعي:  كان يـ حـ يى وقـ تـ ادة يـ قـ ولان: ليـ س من أهـ ل الأهواء شئ أخوف عندهـ م على الأمة من الإرجاء "، وعن الحسن بن عبيدالله قال: " سمعت إبراهيم - النخعى - يقول لذر - أحد المرجئة -:  ويحك يا ذر، ما هذا الدين الذى جئت به؟ قال ذر:  ما هو إلا رأي رأيته! قال:  ثم سمعت ذرا يقول: إنه لدين الله الذى بعث به نوح "!!

وعن معقل بن عبيدالله الجـ زرى العبسي قال:  " قدم علينا سالم الأفطس بالإرجاء، فعرضه فنفر منه أصحابنا نفارا شديدا، وكان أشدهم ميمون بن مهران وعبدالكريم بن مالك، فأما عبدالكريم فإنه عاهـ د الله لا يأويه و إياه سقـ ف بيت إلا فى المسجـ د.

قال معقل:  فحججت، فدخلت على عطاء بن أبى رباح فى نفر من أصحابي. . فقلت: إن لنا إليك حاجة فاخل لنا، ففعل، فأخبرته أن قوما قبلنا قد أحدثوا وتكلموا، وقالوا: إن الصلاة والزكاة ليستا من الدين، قال: فقال: أو ليس يـ قـ ول الله:  {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء و يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة} ، فالصلاة و الزكاة من الدين.

قال: فقلت له: إنهم يقولون:  ليس فى الإيمان زيادة. قال: أو ليس قد قال الله فيما أنزله:  {فزادهم إيمانا} ، فما هذا الإيمان الذى زادهم؟ !

قال: ثم قدمت المدينة، . . فذكرت له بدو - ظهور - قـ ولهم - أي المرجئة - ، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  (أمرت أن أضربهم - أي الناس - بالسيف حتى يقولوا:  لا إله إلا الله , فإذا قالوا:  لا إله إلا الله عصموا منى دماءهم و أموالهم إلا بحقه، و حسابهم على الله).

قال:  قـ لـ تُ:  إنهم يقولون:  نحن نقر بأن الصلاة فريضة ولا نصلي، وأن الخمر حرام ونشربها، وأن نكاح الأمهات حرام ونحن نـ فعـ ل، قال: فـ نـ تـ ر يده من يدي، وقال:  " من فعـ ل هـ ذا فهـ و كافـ ر".

قال معـ قـ ل:  ثم لقيـ ت الزهري، فأخبرته بقولهـ م، فقال سبحان الله! ! أو قـ د أخذ الناس في هذه الخصومات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن) رواه البخاري.

قال: ثم لقـ يت الحكم بن عتيبة، قال: فقلت:  إن ميمونا وعبدالكريم بلغهما أنه دخل عليك ناس من المرجئة، فعرضوا عليك قـ ولهم، فقبـ لـ ت قوله.
قال: فقيل ذلك على ميمون وعبد الكريم؟ قـ لـ تُ:  لا.

قال: ثم جلست إلى ميمون بن مهـ ران، فقيل له: يا أبا أيوب:  لو قرأت لنا سورة نـ فسرها، قال: فـ قرأ أو قرأت: {إذا الشمس كورت} ، حتى إذا بلغ: {مطاع ثم أمين} ، قال:  ذاك جبريل و الخيبة لمن يـ قول:  أن إيمانه كإيمان جبريل.

هذه بعض مواقف علماء السلف من المرجئة، وما ذاك منهم لعداء شخصي يكنونه لهم، ولكن لعظم خطرهم وجليل شرهم على الأمة، فدعواهم مدعاة لترك العمل والتكاسل عن الطاعات، فما ضر أحدهم - وفق مذهب المرجئة - لو ترك الفرائض ما دام إيمانه محفوظا ودينه موفورا، وهو مع ذلك بمنزلة جبريل وميكائيل، إن هذا المنطق يورث في النفس اتكالا وخمولا ويولد التفريط والتقصير في الطاعات.

اتكالا على سلامة الإيمان وصحتته، وقد كان الصحابة والهداة من السلف على خلاف ذلك، فقد كانوا يربطون ربطا مباشرا بين عمل الجوارح وإيمان القلب فهذا التابعي الجليل ابن أبي مليكة رحمه الله يذكر أنه أدرك ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:

"كلهم كان يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول إنه على إيمان جبرائيل وميكائيل " رواه البخاري، وهذا ابن مسعود ينقل رأي الصحابة في ارتباط العمل بالإيمان فيقول: " ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف" رواه مسلم.

فانظر كيف ربط رضي الله عنه النفاق بترك العشاء، وقال إبراهيم التيمي:  " ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن يكون مكذبا " ذكره البخاري.

 
لمعرفة مذهب أهل السنة تفصيلا في الإيمان انظر المواضيع التالية:

1. حقيقة الإيمان عند أهل السنة.

2. زيادة الإيمان ونقصانه.

3. أسباب الكفر الأكبر.

4. شروط الكفر وموانعه.

المصدر: موقع إسلام ويب